فصل: (فَصْلٌ): (أَقْسَامُ الْأَجِيرِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [ظُهُورُ عيبٍ بالْمُؤَجَّرِ]:

(وَإِنْ ظَهَرَ) بِمُؤَجَّرَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَيْبٌ؛ بِأَنْ كَانَ بِهَا حِينَ الْعَقْدِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ مُسْتَأْجِرٌ، (أَوْ حَدَثَ بِمُؤَجَّرَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَيْبٌ)؛ كَجُنُونِ الْأَجِيرِ أَوْ مَرَضِهِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ كَانَ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (وَهُوَ)- أَيْ: الْعَيْبُ- (مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ)؛ بِأَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَعَهُ دُونَهَا مَعَ عَدَمِهِ؛ (كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ) مِنْ كِتَابِ الْبَيْعِ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِهِ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ؛ (فَلِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ)؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ أَشْبَهَ الْعَيْبَ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ، وَالْمَنَافِعُ لَا يَحْصُلُ قَبْضُهَا إلَّا شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإِذَا حَدَثَ الْعَيْبُ، فَقَدْ وَجَبَ قَبْضُ الْبَاقِي مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأُثْبِتَ الْفَسْخُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا، (إنْ لَمْ يَزُلْ الْعَيْبُ) سَرِيعًا (بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ)- أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ- (كَفَتْحِ بَالُوعَةٍ سُدَّتْ) أَيْ: إذَا فَتَحَهَا الْمُؤَجِّرُ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ لَا تَتْلَفُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ تَضُرُّ الْمُسْتَأْجِرَ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ، (وَ) لِمُسْتَأْجِرٍ أَيْضًا (الْإِمْضَاءُ مَجَّانًا) بِلَا أَرْشٍ لِعَيْبٍ قَدِيمٍ أَوْ حَدِيثٍ (بِكُلِّ الْأُجْرَةِ)؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِهِ نَاقِصًا.
(وَ) إنْ اخْتَلَفَ الْمُتَآجِرَانِ فِي الْمَوْجُودِ هَلْ هُوَ عَيْبٌ أَوْ لَا؟ رُجِعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ، مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ خَشِنَةَ الْمَشْيِ، أَوْ أَنَّهَا تُتْعِبُ رَاكِبَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُرْكَبُ كَثِيرًا، (فَمَا قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ عَيْبٌ؛ فَهُوَ عَيْبٌ)؛ فَلَهُ الْفَسْخُ، وَإِلَّا فَلَا فَسْخَ، وَيَكْفِي فِيهِ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى قِيَاسِ مَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ. هَذَا إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ؛ لَمْ يُفْسَخْ الْعَقْدُ بِرَدِّهَا؛ لِكَوْنِهَا مُعَيَّنَةً، وَعَلَى الْمُكْرِي إبْدَالُهَا بِسَلِيمَةٍ؛ كَالْمُسَلَّمِ فِيهِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْعَقْدِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ السَّلِيمَ وَتَقَدَّمَ. (وَمِنْهُ)- أَيْ: مِنْ الْعَيْبِ الَّذِي يُسَوِّغُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخَ- (جَارُ سُوءٍ) لِلدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ، بَلْ هُوَ مِنْ أَقْبَحِ الْعُيُوبِ.
(وَ) الْعُيُوبِ (خَوْفُ سُقُوطِ حَائِطٍ، وَ) خَوْفُ (غَرَقِ سَفِينَةٍ) إبْقَاءً لِلنُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ (وَ) مِنْهَا (تَغَيُّرُ رَائِحَةِ بِئْرٍ) بِدَارٍ مُؤَجَّرَةٍ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ.
(وَ) مِنْهَا (غَوْرُ مَائِهَا)- أَيْ: الْبِئْرُ- فَيَثْبُتُ لَهُ بِذَلِكَ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَذَكَرْنَا قَوْلَ الِانْتِصَار عَنْهُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ. (وَإِنْ اكْتَرَى أَرْضًا) لَهَا مَاءٌ لِيَزْرَعَهَا، (أَوْ) اسْتَأْجَرَ (دَارًا) يَسْكُنُهَا، (فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا)- أَيْ: الْأَرْضُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ- (أَوْ انْهَدَمَتْ) الدَّارُ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ (انْفَسَخَتْ) الْإِجَارَةُ (فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الْمُدَّةِ؛ لِتَعَطُّلِ النَّفْعِ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ قَدْ فَاتَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ تَلِفَ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَا أُجْرَةَ لِمَا لَمْ يُرْوَ مِنْ الْأَرْضِ) الْمُؤَجَّرَةِ (اتِّفَاقًا، وَإِنْ قَالَ)؛ أَيْ: وَلَوْ قَالَ مُؤَجِّرٌ (فِي) عَقْدِ (الْإِجَارَةِ): أَجَّرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ (مَقِيلًا وَمَرَاحًا)- أَيْ: لِلنُّزُولِ فِيهَا وَجَمْعِ الْحَطَبِ وَوَضْعِ الرَّحْلِ- أَوْ أَطْلَقَ؛ أَيْ: بِأَنْ لَمْ يَقُلْ مَقِيلًا وَمَرَاحًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى عَقْدٌ كَأَرْضِ الْبَرِيَّةِ انْتَهَى مَا (قَالَهُ الشَّيْخُ)؛ أَيْ: فَلَوْ زَرَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، فَلَمْ تُرْوَ؛ فَلَا أُجْرَةَ لَهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَجَرْتُكَهَا بِلَا مَاءٍ كَمَا يَأْتِي. (وَيُخَيَّرُ مُكْتَرٍ فِيمَا)- أَيْ: مُؤَجَّرٌ- (انْهَدَمَ بَعْضُهُ)، كَدَارٍ انْهَدَمَ مِنْهَا بَيْتٌ، بَيْنَ فَسْخٍ وَإِمْسَاكٍ لِلْعَيْبِ، (فَإِنْ أَمْسَكَ) الْبَقِيَّةَ (فَبِالْقِسْطِ مِنْ الْأُجْرَةِ)، فَتُقَسَّطُ الْأُجْرَةُ عَلَى مَا انْهَدَمَ وَعَلَى مَا بَقِيَ، وَيَلْزَمُهُ قِسْطُ الْبَاقِي لِرِضَاهُ بِهِ نَاقِصًا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَضِيَ بِالْمَبِيعِ مَعِيبًا. ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. (وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَنْتَفِعَ بِهَا مَا شَاءَ بِلَا مَاءٍ)؛ فَلَهُ الزَّرْعُ وَالْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ كَيْفَ شَاءَ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَلَا يُعَارِضُهُ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ فِي الْعَقْدِ عَلَى الِانْتِفَاعِ كَيْفَ شَاءَ (أَوْ) اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَ(أَطْلَقَ)؛ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ وَلَا مَاءَ لَهَا (مَعَ عِلْمِهِ)- أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ- (بِحَالِهَا) وَعَدَمِ مَائِهَا؛ (صَحَّ). اخْتَارَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي لِأَنَّهُمَا دَخَلَا فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ لَا مَاءَ لَهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرْطَاهُ، وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَمَا فِي الْأُولَى.
(وَ) مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا (غَارِقَةً بِالْمَاءِ)، وَهِيَ الَّتِي لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا قَبْلَ انْحِسَارِهِ، (وَ) هُوَ (تَارَةً يَنْحَسِرُ وَتَارَةً لَا) يَنْحَسِرُ؛ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا إذَنْ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي الْحَالِ مُتَعَذَّرٌ؛ لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَفِي الْمَآلِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ غَالِبًا، وَإِنْ كَانَ يَنْحَسِرُ عَنْهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَى الزِّرَاعَةِ كَأَرْضِ مِصْرَ فِي وَقْتِ مَدِّ النِّيلِ؛ صَحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ مُتَحَقِّقٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّرَاعَةُ مُمْكِنَةً، وَيَخَافُ غَرَقُهَا- وَالْعَادَةُ غَرَقُهَا- لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهَا لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْغَارِقَةِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ. (أَوْ) اسْتَأْجَرَ أَرْضًا (بِلَا مَاءٍ لِيَزْرَعَهَا؛ لَمْ يَصِحَّ) الِاسْتِئْجَارُ لِذَلِكَ، (خِلَافًا لَهُمَا)- أَيْ لِلْإِقْنَاعِ وَالْمُنْتَهَى- لِقَوْلِهِمَا بِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ. وَعِبَارَةُ الْإِقْنَاعِ وَإِنْ اكْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا لَا مَاءَ لَهَا؛ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِالنُّزُولِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَاءٌ قَبْلَ زَرْعِهَا؛ فَلَهُ زَرْعُهَا. وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا بِلَا مَاءٍ.
قَالَ مُصَنِّفُهُ فِي شَرْحِهِ لِيَزْرَعَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنْ لَيْسَ لَهَا مَاءٌ، أَوْ أَطْلَقَ؛ صَحَّ. انْتَهَى، فَتَقَرَّرَ أَنَّ الْكِتَابَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ بِلَا مَاءٍ لِلزَّرْعِ صَحِيحٌ مَعَ عِلْمِهِمَا، أَوْ عِلْمِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِدُخُولِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْح: وَإِنْ اكْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا لَا مَاءَ لَهَا؛ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَوَضْعِ رَحْلِهِ وَجَمْعِ الْحَطَبِ فِيهَا، وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا رَجَاءَ الْمَاءِ، وَإِنْ حَصَلَ لَهُ مَاءٌ قَبْلَ زَرْعِهَا؛ فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِهَا الْمُمْكِنِ اسْتِيفَاؤُهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ، وَلَا يَغْرِسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُرَادُ لِلتَّأْبِيدِ، وَتَقْدِيرُ الْإِجَارَةِ بِمُدَّةٍ تَقْتَضِي تَفْرِيغَهَا عِنْدَ انْقِضَائِهَا، فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ؛ صَحَّ مَعَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ. قُلْنَا، التَّصْرِيحُ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ صَرَفَ التَّقْدِيرَ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِظَاهِرِهِ فِي التَّفْرِيغِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ قَلْعَ ذَلِكَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَيَصْرِفُ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ عَمَّا يُرَادُ لَهُ بِظَاهِرِهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا انْتَهَى.
أَقُولُ: مَنْ نَظَرَ بِعَيْنِ الْإِنْصَافِ؛ لَمْ يَجِدْ ثَمَرَةً لَمَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْخِلَافِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْإِقْنَاعُ وَالْمُنْتَهَى لِمُوَافَقَتِهِمَا مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أُولِي النُّهَى، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَأْجِرُ عَدَمَ مَائِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ اسْتِئْجَارُهُ؛ (كَمَا لَوْ ظَنَّ) الْمُسْتَأْجِرُ (إمْكَانَ تَحْصِيلِهِ)- أَيْ: الْمَاءِ- فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُؤَجِّرَ يُحَصِّلُ لَهُ مَاءً، وَأَنَّهُ يَكْتَرِيهَا لِلزِّرَاعَةِ مَعَ تَعَذُّرِهَا، أَوْ ظَنَّ إمْكَانَ مَجِيئِهِ (مِنْ نَهْرٍ نَادِرٍ لِفَيْضٍ) أَوْ غَيْرِ ظَاهِرٍ كَالْأَرْضِ الَّتِي يَكُونُ شُرْبُهَا مِنْ فَيْضِ مَاءِ وَادٍ نَادِرٍ مَجِيئُهُ، أَوْ مِنْ زِيَادَةٍ نَادِرَةٍ فِي نَهْرٍ أَوْ غَيْرِ غَالِبَةٍ، (أَوْ أَرْضٍ لَا يَجِيئُهَا الْمَطَرُ إلَّا نَادِرًا)، وَلَا يَكْفِيهَا إلَّا الْمَطَرُ الشَّدِيدُ الْكَثِيرُ الَّذِي يَنْدُرُ وُجُودُهُ، لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُؤَجِّرَهَا قَبْلَ مَجِيءِ النَّهْرِ النَّادِرِ، أَوْ الْمَطَرِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ (أَجَّرَهَا قَبْلَ تَحْصِيلِهِ)؛ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تُنْبِتُ الزَّرْعَ أَوْ الْغَرْسَ بِلَا مَاءٍ، وَحُصُولُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ؛ فَلَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهَا كَالْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ.
(وَ) إنْ أَجَّرَهَا (بَعْدَهُ)- أَيْ: بَعْدَ وُجُودِ مَاءٍ يَسْقِيهَا بِهِ- فَإِنَّهُ (يَصِحُّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَزَرْعُهَا، فَجَازَتْ إجَارَتُهَا؛ كَذَاتِ الْمَاءِ الدَّائِمِ؛ (كَمَا لَوْ أَجَّرَهَا يَظُنُّ تَحْصِيلَهُ)- أَيْ: الْمَاءُ- (بِأَمْطَارٍ) مُعْتَادَةٍ؛ فَيَصِحُّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْعَادَةِ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا نَادِرًا.
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ: وَلَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قِسْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنْ يَكُونَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ إمَّا مِنْ نَهْرٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِانْقِطَاعِهِ كَالْأَرَاضِيِ الَّتِي تَشْرَبُ مِنْ النِّيلِ وَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِمَا، أَوْ لَهَا مَاءٌ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا مُدَّةً لَا تُؤَثِّرُ فِي الزَّرْعِ، أَوْ تَشْرَبُ مِنْ عَيْنٍ نَابِعَةٍ أَوْ بِرْكَةٍ مِنْ مِيَاهِ الْأَمْطَارِ تَجْتَمِعُ فِيهَا، ثُمَّ تُسْقَى بِهِ، أَوْ مِنْ بِئْرٍ يَقُومُ بِكِفَايَتِهَا، أَوْ مَاءٍ يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ لِنَدَاوَةِ الْأَرْضِ وَقُرْبِ الْمَاءِ الَّذِي تَحْتَ الْأَرْضِ، فَهَذَا كُلُّهُ دَائِمٌ، وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُهَا لِلْغَرْسِ وَالزَّرْعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ.
الْقِسْمِ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مَاءٌ دَائِمٌ وَهِيَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ) يَشْرَبُ مِنْ (زِيَادَةٍ مُعْتَادَةٍ) تَأْتِي وَقْتَ الْحَاجَةِ؛ (كَأَرْضِ مِصْرَ) الشَّارِبَةَ مِنْ زِيَادَةِ النِّيلِ، وَمَا يَشْرَبُ مِنْ زِيَادَةِ الْفُرَاتِ وَأَشْبَاهِهِ، وَأَرْضِ الْبَصْرَةِ الشَّارِبَةِ مِنْ الْمَدِّ وَالْجَزْرِ.
قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ الْجَزْرُ ضِدُّ الْمَدِّ، وَهُوَ رُجُوعُ الْمَاءِ إلَى خَلْفٍ، وَأَرْضُ دِمَشْقَ (الشَّامِ) الشَّارِبَةُ مِنْ زِيَادَةِ بَرَدَى، وَمَا يَشْرَبُ مِنْ الْأَوْدِيَةِ الْجَارِيَةِ بِمَاءِ الْمَطَرِ الْمُعْتَادِ؛ فَهَذِهِ تَصِحُّ إجَارَتُهَا قَبْلَ وُجُودِ الْمَاءِ الَّذِي تُسْقَى بِهِ وَبَعْدَهُ؛ لِأَنَّ حُصُولَهُ مُعْتَادٌ، وَالظَّاهِرُ وُجُودُهُ؛ فَجَازَتْ إجَارَةُ الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ بِهِ؛ كَالشَّارِبَةِ مِنْ مِيَاهِ الْأَمْطَارِ، وَلِأَنَّ ظَنَّ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فِي وَقْتِهِ يَكْفِي فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ؛ كَالسَّلَمِ فِي الْفَاكِهَةِ إلَى أَوَانِهَا. (وَلَوْ زَرَعَ) الْمُسْتَأْجِرُ، (فَغَرِقَ) الزَّرْعُ، (أَوْ تَلِفَ بِنَحْوِ جَرَادٍ) كَحَرِيقٍ وَفَأْرٍ أَوْ بَرْدٍ وَغَيْرِهِ قَبْلَ حَصَادِهِ، (أَوْ لَمْ يَنْبُتْ؛ فَلَا خِيَارَ) لَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، (وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ كَامِلَةً)؛ لِأَنَّ التَّالِفَ غَيْرُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَسَبَبُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، وَإِنَّمَا تَلِفَ مَالُ الْمُكْتَرِي فِيهِ؛ فَأَشْبَهَ مَنْ اكْتَرَى دُكَّانًا فَاحْتَرَقَ مَتَاعُهُ فِيهِ.
(وَ) إنْ أَمْكَنَ الْمُكْتَرِي الِانْتِفَاعَ بِالْأَرْضِ بِغَيْرِ الزَّرْعِ أَوْ بِهِ؛ (فَلَهُ زَرْعُهَا ثَانِيًا وَثَالِثًا فِي بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ)؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ. (وَإِنْ تَعَذَّرَ زَرْعُ) أَرْضٍ مُؤَجَّرَةٍ (لِغَرَقٍ) حَدَثَ أَوْ انْقِطَاعِ مَائِهَا؛ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ لِمَعْنًى فِي الْعَيْنِ، وَإِنْ تَلِفَ الزَّرْعُ بِذَلِكَ؛ فَلَيْسَ عَلَى الْمُؤَجِّرِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْهُ بِمُبَاشَرَةٍ وَلَا تَسَبُّبٍ؛. (أَوْ قَلَّ الْمَاءُ قَبْلَ زَرْعِهَا) بِحَيْثُ لَا يَكْفِي الزَّرْعَ؛ فَلَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ، (أَوْ) قَلَّ الْمَاءُ (بَعْدَهُ)- أَيْ بَعْدَ أَنْ زَرَعَهَا؛ فَلَهُ الْفَسْخُ أَيْضًا، وَيَبْقَى الزَّرْعُ فِي الْأَرْضِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ، وَعَلَيْهِ مِنْ الْمُسَمَّى بِحِصَّتِهِ إلَى حِينِ الْفَسْخِ، وَأَجْرُ الْمِثْلِ لِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ لِأَرْضٍ لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ الْمَاءِ، وَكَذَلِكَ إنْ انْقَطَعَ الْمَاءُ بِالْكُلِّيَّةِ، (أَوْ عَابَتْ) أَرْضُ مُؤَجِّرِهِ (بِغَرَقٍ يَعِيبُ بِهِ الزَّرْعُ؛ فَلَهُ الْخِيَارُ)؛ لِحُصُولِ مَا تَنْقُصُ بِهِ مَنْفَعَةُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ. (فَإِنْ فَسَخَ بَعْدَ زَرْعٍ؛ فَلَهُ قِسْطُ الْمُسَمَّى) مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ (إلَى) حِينِ (الْفَسْخِ، وَ) يَلْزَمُهُ (أَجْرُ مِثْلٍ لِبَاقٍ) مِنْ الْمُدَّةِ لِأَرْضٍ مُتَّصِفَةٍ بِالْعَيْبِ الَّذِي مَلَكَ الْفَسْخَ مِنْ أَجْلِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ يُؤْخَذُ (مِنْهُ)- أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ فَسَخَ إلَى آخِرِهِ- (إنْ تَصَرَّفَ مُسْتَأْجِرٌ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ تَصَرُّفُ الْمُسْتَأْجِرِ مَانِعًا مِنْ الْفَسْخِ؛ (لَمَا كَانَ فَرْقٌ بَيْنَ الْأُجْرَةِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَبَعْدَهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ)، فَإِنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ فِيهِ، وَتَصَرَّفَ بِالْمَبِيعِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهِ يُمْتَنَعُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا)- أَيْ الْأَرْضُ- (عَامًا فَزَرَعَهَا) زَرْعًا جَرَتْ الْعَادَةُ بِنَبَاتِهِ، (فَلَمْ يَنْبُتْ إلَّا بِعَامٍ قَابِلٍ بِلَا تَفْرِيطِ مُسْتَأْجِرٍ) مِثْلَ أَنْ يَزْرَعَ زَرْعًا يَنْتَهِي فِي الْمُدَّةِ عَادَةً، فَأَبْطَأَ لِبَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلِلْعَامِ (الْأَوَّلِ الْمُسَمَّى) فِي الْعَقْدِ، (وَلِلْعَامِ الثَّانِي أُجْرَةُ مِثْلٍ) وَيَلْزَمُ رَبُّ الْأَرْضِ تَرْكُهُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ (وَلَيْسَ لِرَبِّهَا قَلْعُهُ)- أَيْ الزَّرْعُ- (قَبْلَ إدْرَاكِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِ فِي تَأْخِيرِهِ؛ كَمَا لَوْ أَعَارَهُ أَرْضًا، فَزَرَعَهَا، ثُمَّ رَجَعَ الْمَالِكُ قَبْلَ كَمَالِ الزَّرْعِ.
(وَ) إنْ كَانَ عَدَمُ نَبَاتِ الزَّرْعِ فِي الْعَامِ (بِتَفْرِيطِهِ)- أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ- (كَتَأْخِيرِ زَرْعٍ لِمُدَّةٍ لَا يَكْمُلُ فِيهَا) عَادَةً؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ زَرْعِ الْغَاصِبِ، (لِلْمَالِكِ) بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ (إبْقَاؤُهُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ) لِمَا زَادَ عَلَى الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْقَى زَرْعَهُ بِأَرْضِ غَيْرِهِ بِعِدْوَانِهِ، (وَ) لَهُ (تَمْلِيكُهُ بِقِيمَتِهِ)- وَهِيَ مِثْلُ بَذْرِهِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ- وَمَحَلُّ ذَلِكَ، (مَا لَمْ يَخْتَرْ مُكْتَرٍ إزَالَتَهُ)- أَيْ: الزَّرْعُ- (حَالًا) وَتَفْرِيغَ الْأَرْضِ، فَإِنْ اخْتَارَهُ فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الضَّرَرَ، وَيُسَلِّمُ الْأَرْضَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ قَلْعُ زَرْعِهِ لَوْ طَلَبَهُ الْمَالِكُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إلَيْهِ، بِخِلَافِ الْغَرْسِ. وَمَتَى أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ زَرْعَ شَيْءٍ لَا يُدْرَكُ مِثْلُهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ (فَلِلْمَالِكِ مَنْعُهُ)؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُودِ زَرْعِهِ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَمَلَكَ مَنْعَهُ (مِنْ زَرْعٍ) إزَالَةً لِضَرَرِهِ. (وَإِنْ زَرَعَ مُؤَجِّرٌ تَعَدِّيًا)؛ بِأَنْ زَرَعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ زَرْعًا يَضُرُّ بِالْمُسْتَأْجِرِ، أَوْ غَرَسَ أَوْ بَنَى؛ فَهُوَ (غَاصِبٌ، وَلِمُسْتَأْجِرٍ تَمَلُّكُ زَرْعِهِ) بِنَفَقَتِهِ، (وَإِلَيْهِ مَيْلُ ابْنِ رَجَبٍ)، خِلَافًا لِلْقَاضِي. (وَكَذَا غَاصِبُ أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ زُرِعَتْ)؛ أَيْ: زَرَعَهَا الْغَاصِبُ؛ فَلِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ تَمَلُّكُ الزَّرْعِ بِنَفَقَتِهِ لِمِلْكِ الْعَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ.
(وَ) إنْ زُرِعَتْ أَرْضٌ (مُوصًى بِنَفْعِهَا) لِمُعَيَّنٍ؛ فَلِلْمُوصِي لَهُ تَمَلُّكُ زَرْعِهَا بِنَفَقَتِهِ وَعِوَضِ لَوَاحِقِهِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْصُوبَةِ.
(وَ) لَوْ (اكْتَرَى) أَرْضًا (مُدَّةً لِزَرْعٍ لَا يَكْمُلُ) ذَلِكَ الزَّرْعُ (فِيهَا) عَادَةً؛ كَمَنْ اكْتَرَى خَمْسَةَ أَشْهُرٍ لِزَرْعٍ لَا يَكْمُلُ إلَّا فِي سَنَةٍ، نَظَرْنَا (فَإِنْ شَرَطَ) الْمُسْتَأْجِرُ (قَلْعَهُ)- أَيْ الزَّرْعُ- (بَعْدَهَا)- أَيْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ- أَوْ نَقْلَهُ عَنْهُ وَتَفْرِيغَهَا؛ (صَحَّ) الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مُدَّتِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي ذَلِكَ لِيَأْخُذَهُ قَصِيلًا أَوْ غَيْرَهُ، وَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَ، (وَإِلَّا) يَشْتَرِطْ قَلْعَهُ؛ بِإِنْ شَرَطَ إبْقَاءَهُ إلَى إدْرَاكِهِ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، أَوْ سَكَتَ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ قَطْعًا وَلَا إبْقَاءً؛ (فَلَا) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ؛ لِفَسَادِهَا بَعْدَ الِاشْتِرَاطِ. أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مُتَضَادَّيْنِ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمُدَّةِ يَقْتَضِي التَّفْرِيغَ بَعْدَهَا، وَشَرْطُ التَّبْقِيَةِ يُخَالِفُهُ، وَلِأَنَّ مُدَّةَ التَّبْقِيَةِ مَجْهُولَةٌ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ اكْتَرَاهَا لِزَرْعِ شَيْءٍ لَا يُنْتَفَعُ بِزَرْعِهِ فِي مُدَّةٍ لِإِجَارَةٍ، أَشْبَهَ إجَارَةَ الْأَرْضِ الْمُنْتِجَةِ لِلزَّرْعِ.: وَإِذَا أَسْلَمَ الْعَيْنَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، أَوْ بَعْضُهَا، أَوْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا، أَوْ لَا؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمُدَّةِ بَقَائِهَا فِي يَدِهِ، سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَ الْمَأْجُورَ، أَوْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لِلْمُؤَجِّرِ، فَرَجَعَ إلَى قِيمَتِهَا، كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ، وَإِنْ لَمْ تُسَلَّمْ الْعَيْنُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةٌ- وَلَوْ بَذَلَ الْعَيْنَ الْمَالِكُ- لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَمْ تَتْلَفْ تَحْتَ يَدِهِ، وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا أَثَرَ لَهُ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ.

.(فَصْلٌ): [أَقْسَامُ الْأَجِيرِ]:

(وَالْأَجِيرُ قِسْمَانِ)، قِسْمٌ (خَاصٌّ وَ) قِسْمٌ (مُشْتَرَكٌ)، (فَلَا ضَمَانَ عَلَى) أَجِيرٍ (خَاصٍّ، وَهُوَ مَنْ قُدِّرَ نَفْعُهُ بِمُدَّةٍ)؛ بِأَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِخِدْمَةٍ أَوْ عَمَلٍ فِي بِنَاءٍ أَوْ خِيَاطَةٍ يَوْمًا أَوْ أُسْبُوعًا وَنَحْوَهُ؛ فَيَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْعَهُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ الْمُقَدَّرِ نَفْعُهُ بِهَا، لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ نَفْعَهُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ؛ فَمُشْتَرَكٌ؛ كَمَا يَأْتِي، سِوَى زَمَنِ فِعْلِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَوْقَاتِهَا بِسُنَنِهَا الْمُؤَكَّدَاتِ. قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَسِوَى صَلَاةِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ، فَإِنَّ أَزْمِنَةَ ذَلِكَ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ، بَلْ مُسْتَثْنَاةٌ شَرْعًا.
قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ النَّصِّ يَمْنَعُ مِنْ شُهُودِ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِشَرْطٍ أَوْ إذْنٍ، سَوَاءٌ (سَلَّمَ نَفْسَهُ لِمُسْتَأْجِرٍ)؛ بِأَنْ كَانَ يَعْمَلُ عِنْدَ الْمُسْتَأْجِرِ، (أَوْ لَا)؛ بِأَنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ، وَيَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ الْأُجْرَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ، عَمِلَ أَوْ لَمْ يَعْمَلْ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَا عَلَيْهِ؛ كَمَا لَوْ بَذَلَ الْبَائِعُ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ، وَتَتَعَلَّقُ الْإِجَارَةُ بِعَيْنِهِ كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ (فِيمَا يَتْلَفُ بِيَدِهِ)، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمَالِكِ فِي صَرْفِ مَنَافِعِهِ إلَى مَا أَمَرَ بِهِ؛ فَلَمْ يَضْمَنْ؛ كَالْوَكِيلِ، وَلِأَنَّ عَمَلَهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ؛ كَالْقِصَاصِ (إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ) الْإِتْلَافَ، (أَوْ يُفَرِّطَ)؛ لِأَنَّهُ إذَنْ كَالْغَاصِبِ. (وَإِنْ عَمَلَ) أَجِيرٍ خَاصٌّ (لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهِ، فَأَضَرَّهُ؛ فَلَهُ)- أَيْ: الْمُسْتَأْجِرُ- عَلَى الْأَجِيرِ (قِيمَةُ مَا فَوَّتَهُ) عَلَيْهِ مِنْ مَنْفَعَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ يَسْتَأْجِرُ أَجِيرًا عَلَى أَنْ يَحْتَطِبَ لَهُ عَلَى حِمَارَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ، فَكَانَ الرَّجُلُ يَنْقُلُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى حَمِيرٍ لِرَجُلٍ آخَرَ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ الْأُجْرَةَ: فَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ؛ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَرْجِعُ عَلَى الْأَجِيرِ بِقِيمَةِ مَا اسْتَضَرَّ بِاشْتِغَالِهِ عَنْ عَمَلِهِ. (وَيَقْبَلُ دَعْوَاهُ)- أَيْ: الْأَجِيرِ- لِحَمْلِ شَيْءٍ (تَلِفَ) ذَلِكَ (الْمَحْمُولُ) عَلَى وَجْهٍ لَا يَضْمَنُهُ بِيَمِينِهِ، (وَلَهُ)- أَيْ: الْحَامِلُ- (أُجْرَةُ حَمْلِهِ) إلَى مَحَلِّ تَلَفِهِ. ذَكَرَهُ فِي التَّبْصِرَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ مَا عَمَلَ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ بِإِذْنٍ، وَعَدَمُ تَمَامِ الْعَمَلِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ. (وَلَا) ضَمَانَ عَلَى (حَجَّامٍ أَوْ خَتَانِ)، خَاصًّا كَانَ أَوْ مُشْتَرَكًا، (بِآلَةٍ غَيْرِ كَالَّةٍ)، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَطْعِ (فِي وَقْتٍ صَالِحٍ لِقَطْعٍ)، فَإِنْ قَطَعَ فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ الْقَطْعُ فِيهِ؛ ضَمِنَ، (أَوْ بَيْطَارٍ أَوْ طَبِيبٍ خَاصًّا أَوْ مُشْتَرَكًا) إذَا كَانَ (حَاذِقًا) فِي صَنْعَتِهِ، (وَلَمْ تَجْنِ يَدُهُ بِمُجَاوَزَةٍ، أَوْ قَطْعِ مَا لَمْ يَقْطَعْ)؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا مُبَاحًا، فَلَمْ يَضْمَنْ سِرَايَتَهُ؛ كَحَدِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: اقْطَعْ قَطْعًا لَا يَسْرِي، بِخِلَافِ دُقَّ دَقًّا لَا يَخْرِقُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حِذْقٌ فِي الصَّنْعَةِ، ضَمِنُوا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ مُبَاشَرَةُ الْقَطْعِ إذَنْ، فَإِذَا قَطَعَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، فَضَمِنَ سَرَايَتَهُ. (وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ)- أَيْ: الْفِعْلُ- (مُكَلَّفٌ وَلَوْ سَفِيهًا- أَوْ) أَذِنَ فِيهِ (وَلِيُّ نَحْوِ صَغِيرٍ)؛ كَمَجْنُونٍ، أَوْ فَعَلَهُ الْحَاكِمُ بِنَحْوِ الصَّغِيرِ، أَوْ وَلِيُّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى فِي قَطْعِ سِلْعَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ ذِي الْوِلَايَةِ، (وَإِلَّا) يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ فَسَرَتْ الْجِنَايَةُ؛ (ضَمِنَ) لِأَنَّهُ فِعْلٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، (وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ)، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ قَضَى بِهِ فِي طِفْلَةٍ مَاتَتْ مِنْ الْخِتَانِ بِدِيَةٍ عَلَى عَاقِلَةِ خَاتِنِهَا. وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ، وَكَانَ حَاذِقًا، لَكِنْ جَنَتْ يَدُهُ، وَلَوْ خَطَأً؛ مِثْلَ أَنْ جَاوَزَ الْخِتَانَ إلَى الْحَشَفَةِ أَوْ إلَى بَعْضِهَا، أَوْ قَطَعَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْقَطْعِ، أَوْ قَطَعَ سِلْعَةً، فَتَجَاوَزَ مَوْضِعَ مَحَلِّ الْقَطْعِ، أَوْ قَطَعَ بِآلَةٍ كَآلَةٍ يَكْثُرُ أَلَمُهَا، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ؛ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ لَا يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِالْعَمْدِ وَالْخَطَأِ.
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي تُحْفَةِ الْوَدُودِ: فَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَخْتِنَهُ فِي زَمَنِ حَرٍّ مُفْرِطٍ، أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ، أَوْ فِي حَالِ ضَعْفٍ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِالْإِذْنِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا؛ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ شَرْعًا، وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ وَلِيُّهُ؛ أَيْ: فِي زَمَنِ الْحَرِّ الْمُفْرِطِ أَوْ الْبَرْدِ؛ فَهَذَا مَوْضِعُ نَظَرٍ، هَلْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ أَوْ الْخَاتِنِ؟ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْوَلِيَّ مُتَسَبِّبٌ، وَالْخَاتِنَ مُبَاشِرٌ؛ فَالْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي تَضْمِينَ الْمُبَاشِرِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْإِحَالَةُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ، مَا إذَا تَعَذَّرَ تَضْمِينُهُ. انْتَهَى.
(وَلَا) ضَمَانَ عَلَى (رَاعٍ) فِيمَا تَلِفَ مِنْ الْمَاشِيَةِ إذَا (لَمْ يَتَعَدَّ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نَفْيِهِ)- أَيْ: التَّعَدِّي- (أَوْ) لَمْ (يُفَرِّطْ) فِي حِفْظِهَا (بِنَحْوِ نَوْمٍ)؛ كَاشْتِغَالٍ بِلَعِبٍ (أَوْ غَيْبَتِهَا)- أَيْ: الْمَاشِيَةُ- (عَنْهُ، أَوْ ضَرْبِهَا) ضَرْبًا (مُبَرِّحًا)؛ بِأَنْ يُسْرِفَ فِي ضَرْبِهَا، أَوْ سُلُوكِهِ مَوْضِعًا يَتَعَرَّضُ لِتَلَفِهَا بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى حِفْظِهَا؛ أَشْبَهَ الْمُودِعَ، فَلَا يَضْمَنُهَا بِدُونِ مَا ذُكِرَ؛ كَالْمُؤَجَّرَةِ، فَإِنْ فَرَّطَ الرَّاعِي فِي حِفْظِهَا بِنَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ، أَوْ تَرَكَهَا تَتَبَاعَدُ عَنْهُ، أَوْ تَغِيبُ عَنْ نَظَرِهِ وَحِفْظِهِ، أَوْ تَعَدَّى؛ بِأَنْ أَسْرَفَ فِي ضَرْبِهَا، أَوْ ضَرَبَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرْبِ، أَوْ ضَرَبَهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى الضَّرْبِ؛ ضَمِنَ الرَّاعِي التَّالِفَ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. (وَإِذَا جَذَبَ الدَّابَّةَ مُسْتَأْجِرٌ أَوْ مُعَلِّمُهَا السَّيْرَ)، أَوْ السَّيْرَ مَعَ الْكَرِّ أَوْ الْفَرِّ (لِتَقِفَ)، أَوْ تَنْقَلِبَ، فَتَلِفَتْ؛ لَمْ تُضْمَنْ، (أَوْ ضَرَبَاهَا)- أَيْ: الدَّابَّةُ- مُسْتَأْجِرُهَا أَوْ مُعَلِّمُهَا السَّيْرَ وَنَحْوِهِ، كَالضَّرْبِ الْمُتَعَارَفِ (عَادَةً) مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ؛ (لَمْ تُضْمَنْ)؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ، (وَإِلَّا)؛ بِأَنْ جَذَبَهَا لَا لِلْوُقُوفِ، وَلَا لِلتَّعْلِيمِ، أَوْ ضَرْبًا غَيْرَ الْمُعْتَادِ؛ (حَرُمَ) ذَلِكَ، (وَضَمِنَ) الدَّابَّةَ إنْ تَلِفَتْ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ. (وَعَلَى رَاعٍ تَحَرِّي نَافِعٍ مَكَانٍ رَعْيٍ، وَ) يَلْزَمُهُ (تَوَقِّي نَبَاتٍ مُضِرٍّ، وَ) يَلْزَمُهُ (إيرَادُهَا)- أَيْ: الْمَاشِيَةِ- (الْمَاءَ) إذَا احْتَاجَتْ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَضُرُّهَا شُرْبُهُ، (وَ) يَلْزَمُهُ (رَدُّهَا عَنْ زَرْعِ النَّاسِ، وَ) يَلْزَمُهُ (دَفْعُ سِبَاعٍ عَنْهَا، وَ) يَلْزَمُهُ (مَنْعُ بَعْضِهَا مِنْ أَذِيَّةِ بَعْضٍ قِتَالًا وَنَطْحًا. وَ) يَلْزَمُهُ أَنْ (يُؤَدِّبَ الصَّائِلَةَ) بِرَدِّهَا عَنْ الْمَصُولِ عَلَيْهَا، وَيَرُدَّ الْقَرْنَاءَ عَنْ الْجَمَّاءِ، وَالْقَوِيَّةَ عَنْ الضَّعِيفَةِ. (وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا عِنْدَ الْمَسَاءِ لِأَرْبَابِهَا). وَإِنْ اخْتَلَفَ رَاعٍ وَرَبُّ مَاشِيَةٍ فِي تَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ وَعَدَمِهِ؛ بِأَنْ ادَّعَى رَبُّهَا أَنْ الرَّاعِيَ تَعَدَّى، أَوْ فَرَّطَ، فَتَلِفَتْ، وَأَنْكَرَ الرَّاعِي؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ، وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ، وَإِنْ فَعَلَ الرَّاعِي فِعْلًا، وَاخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ تَعَدِّيًا، أَوْ فَرَّطَ؛ رُجِعَ فِيهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَدْرَى بِهِ. (وَإِنْ ادَّعَى) الرَّاعِي (مَوْتًا) لِشَاةٍ وَنَحْوِهَا؛ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ- (وَلَوْ لَمْ يُحْضِرْ جِلْدًا) أَوْ غَيْرَهُ- عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، (أَوْ ادَّعَى مُكْتَرٍ) لِدَابَّةٍ أَوْ آدَمِيٍّ (أَنْ الْمُكْتَرَى أَبَقَ أَوْ مَرِضَ أَوْ شَرَدَ أَوْ مَاتَ فِي الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا)- أَيْ: الْمُدَّةُ- (قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) فِي عَدَمِ التَّعَدِّي وَالتَّفْرِيطِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ. (وَلَوْ جَاءَ بِهِ صَحِيحًا وَكَذَّبَهُ) الْمَالِكُ؛ أَيْ: فَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ فِي إبَاقِ الْعَبْدِ، (وَلَا أُجْرَةَ) عَلَيْهِ (حَيْثُ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ)- أَيْ الْمَأْجُورُ- لِأَنَّ الْأُجْرَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِالِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ. (وَإِنْ عَقَدَ) إجَارَةٍ (عَلَى) رَعْيِ إبِلٍ أَوْ بَقَرٍ أَوْ غَنَمٍ (مُعَيَّنَةٍ مُدَّةً، تَعَيَّنَتْ)؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ؛ (فَلَا تُبْدَلْ؛ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيمَا تَلِفَ) مِنْهَا؛ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ كَمَوْتِ الْوَضِيعِ (وَ) إنْ عَقَدَ (عَلَى) رَعْيِ شَيْءٍ (مَوْصُوفٍ بِذِمَّةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ نَوْعِهِ) وَجِنْسِهِ، فَيَقُولُ: إبِلًا أَوْ بَقَرًا أَوْ غَنَمًا، وَيَقُولُ فِي الْإِبِلِ: بَخَاتِيًّا أَوْ عِرَابًا، وَفِي الْبَقَرِ بَقَرًا أَوْ جَوَامِيسَ، وَفِي الْغَنَمِ ضَأْنًا أَوْ مَعْزًا، (وَ) يَذْكُرُ (كِبَرَهُ أَوْ صِغَرَهُ، وَ) يَذْكُرُ (عَدَدَهُ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ، فَاعْتُبِرَ الْعِلْمُ بِهِ؛ إزَالَةً لِلْجَهَالَةِ. (وَلَا يَلْزَمُهُ)- أَيْ الرَّاعِي- (رَعْيُ سِخَالِهَا)، سَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا. (وَلَا يَشْمَلُ إطْلَاقَ) الْعَقْدِ عَلَى (بَقَرٍ) رَعْيُ (جَوَامِيسَ)، وَعَلَى إبِلٍ لَمْ يَشْمَلْ بَخَاتِيَّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ حَمْلًا عَلَى الْعُرْفِ. (وَيَضْمَنُ) الْأَجِيرُ (الْمُشْتَرَكُ. وَيَتَّجِهُ) تَضْمِينُهُ الشَّيْءَ (الْمَعْمُولَ) الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِهِ، وَ(لَا) يَضْمَنُ (آلَةً) دَفَعَهَا لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ لِيَعْمَلَ بِهَا ذَلِكَ (الْعَمَلَ) إنْ تَلِفَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهَا عَارِيَّةٌ تَلِفَتْ فِيمَا أُعِيرَتْ لَهُ، فَلَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ بِذَلِكَ مِنْ الْمَالِكِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَهُوَ)- أَيْ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ- (مَنْ قُدِّرَ نَفْعُهُ بِعَمَلٍ، وَلَوْ تَعَرَّضَ فِيهِ)- أَيْ: الْعَمَلُ- وَقْتَ عَقْدٍ (لِمُدَّةٍ؛ كَكَحَّالٍ) يُكَحِّلُهُ شَهْرًا كُلَّ يَوْمٍ كَذَا، وَيَتَقَبَّلُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ الْأَعْمَالَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَعْمَلُ لَهُمْ، فَيَشْتَرِكُونَ فِي نَفْعِهِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ مُشْتَرَكًا، فَتَتَعَلَّقُ الْإِجَارَةُ بِذِمَّتِهِ لَا بِعَيْنِهِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ إلَّا بِتَسْلِيمِ عَمَلِهِ، دُونَ تَسْلِيمِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ (مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ)- أَيْ: الْأَجِيرُ- الْمُشْتَرَكُ (مِنْ تَخْرِيقِ) قَصَّارٍ بِدَقِّهِ أَوْ مَدِّهِ أَوْ عَصْرِهِ أَوْ بَسْطِهِ، (وَغَلَطِ) خَيَّاطٍ (فِي تَفْصِيلٍ)، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لِأَنَّ عَمَلَهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِكَوْنِهِ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ إلَّا بِالْعَمَلِ، فَإِنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي حِرْزِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ فِيمَا عَمَلَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا؛ كَالْعُدْوَانِ بِقَطْعِ عُضْوٍ، (أَوْ) غَلَطٍ فِي (نَسْجٍ، أَوْ) فِي (طَبْخٍ، أَوْ) فِي (خَبْزٍ)، وَكَذَا مَلَّاحُ سَفِينَةٍ وَنَحْوُهُ، وَيَضْمَنُ أَيْضًا مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ مِنْ يَدِهِ أَوْ خَرْقِهِ أَوْ مَا يُعَالِجُ بِهِ السَّفِينَةَ، وَسَوَاءٌ كَانَ رَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُ أَوْ لَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَغَيْرِهِمْ. (وَيُقَدَّمُ قَوْلُ رَبِّهِ)- أَيْ: التَّالِفُ- (فِي صِفَةِ عَمَلِهِ)؛ أَيْ: إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْعَمَلِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَأْجُورِ؛ لِيَغْرَمَهُ لِلْعَامِلِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ. ذَكَرَهُ ابْنُ رَزِينٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُبْدِعِ وَتَبِعَهُمَا فِي الْإِقْنَاعِ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ. (وَيَتَّجِهُ لَا) يُقْبَلُ قَوْلُ رَبِّهِ، بَلْ يَقْبَلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ لِئَلَّا يَغْرَمَ نَقْصَهُ مَجَّانًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِ رَبِّهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، قَالَ فِي التَّلْخِيصِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ. (خِلَافًا لَهُ)- أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ- كَمَا يُقَدَّمُ قَوْلُ (الْخَيَّاطِ) عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ، فَكَذَلِكَ هُنَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَيَأْتِي قَرِيبًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) يَضْمَنُ حَامِلٌ مَا تَلِفَ (بِزَلْقِهِ أَوْ عَثْرَتِهِ)- أَيْ: الْحَامِلُ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ- (وَسُقُوطِ) مَحْمُولٍ (عَنْ دَابَّةٍ) أَوْ رَأْسٍ، (أَوْ تَلِفَ بِقَوَدِهِ)- أَيْ: الْجَمَّالُ- (وَسَوْقِهِ أَوْ انْقِطَاعِ حَبْلِهِ) الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحَمْلُ، سَوَاءٌ (حَضَرَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ غَابَ)؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ صَاحِبِ الْعَمَلِ حَاضِرًا عِنْدَهُ أَوْ غَائِبًا، أَوْ كَوْنِهِ مَعَ الْمَلَّاحِ أَوْ الْجَمَّالِ أَوْ لَا، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَا تَلِفَ بِجِنَايَةِ الْمَلَّاحِ بِحَذْقِهِ، أَوْ بِجِنَايَةِ الْمُكَارِي بِشَدِّهِ الْمَتَاعَ وَنَحْوِهِ؛ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِجِنَايَةِ يَدِهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُضُورِ الْمَالِكِ وَغَيْبَتِهِ؛ كَالْعُدْوَانِ؛ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْجَمَّالِ وَالْمَلَّاحِ إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ رَاكِبًا مَعَهُ يَعُمُّ الْمَتَاعُ وَصَاحِبُهُ، وَتَفْرِيطُهُ يَعُمُّهُمَا؛ فَلَمْ يَسْقُطْ ذَلِكَ الضَّمَانُ؛ كَمَا لَوْ رَمَى إنْسَانًا مُتَتَرِّسًا، فَكَسَرَ تُرْسَهُ وَقَتَلَهُ، وَلِأَنَّ الطَّبِيبَ وَالْخَتَّانَ إذَا جَنَتْ يَدَاهُمَا؛ ضَمِنَا مَعَ حُضُورِ الْمُطَبَّبِ وَالْمَخْتُونِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَمَّالٌ يَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهِ- وَرَبُّ الْمَتَاعِ مَعَهُ- فَعَثَرَ، فَسَقَطَ الْمَتَاعُ، فَتَلِفَ؛ ضَمِنَ، وَإِنْ سَرَقَ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْعِثَارِ تَلِفَ بِجِنَايَتِهِ، وَالسَّرِقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنَايَتِهِ، وَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ تَلَفَهُ بِجِنَايَتِهِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ حَضَرَ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ غَابَ، بَلْ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَقْصُودٌ لِفَاعِلِهِ، وَالسَّقْطَةُ مِنْ الْحَمَّالِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لَهُ، فَإِذَا أَوْجَبَ الضَّمَانُ هَا هُنَا فَثَمَّ أَوْلَى، قَالَ فِي الشَّرْحِ: (وَ) يَضْمَنُ أَيْضًا مَا نَقَصَ (بِخَطَئِهِ فِي فِعْلِهِ)؛ كَصَبَّاغٍ أُمِرَ بِصَبْغِ ثَوْبٍ أَصْفَرَ، فَصَبَغَهُ أَسْوَدَ وَنَحْوِهِ؛ لِمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الصَّبَّاغَ وَالصَّوَّاغَ، وَقَالَ لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إلَّا ذَلِكَ. وَلِأَنَّ عَمَلَ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، فَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ كَالْعُدْوَانِ بِقَطْعِ عُضْوٍ، وَدَلِيلُ ضَمَانِ عَمَلِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ، وَأَنَّ الثَّوْبَ لَوْ تَلِفَ فِي حِرْزِهِ بَعْدَ عَمَلِهِ لَا أَجْرَ لَهُ، بِخِلَافِ الْخَاصِّ، فَإِنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ؛ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، (وَلَوْ بِدَفْعِهِ)- أَيْ: الثَّوْبُ وَنَحْوُهُ- (لِغَيْرِ رَبِّهِ) غَلَطًا، فَيَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى مَالِكِهِ، قَالَ أَحْمَدُ فِي قَصَّارٍ دَفَعَ الثَّوْبَ إلَى غَيْرِ مَالِكِهِ: يَغْرَمُ الْقَصَّارُ، وَلَيْسَ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لُبْسُهُ إذَا عَلِمَ، وَعَلَيْهِ رَدُّهُ لِلْقَصَّارِ نَصًّا، (وَغَرِمَ قَابِضُ) الثَّوْبِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ غَلَطًا- (قَطَعَهُ أَوْ لَبِسَهُ جَهْلًا) أَنَّهُ ثَوْبُ غَيْرِهِ- (أَرْشَ قَطْعِهِ، وَأُجْرَةَ لُبْسِهِ)؛ لِتَعَدِّيهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ، (وَرَجَعَ) قَابِضٌ (بِهِمَا)- أَيْ بِأَرْشِ قَطْعِهِ، وَأُجْرَةِ لُبْسِهِ- (عَلَى دَافِعٍ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَيَرْجِعُ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْقَصَّارِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَزَادَ فِي الرِّعَايَةِ مَسْأَلَةَ الرُّجُوعِ بِأُجْرَةِ اللُّبْسِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِثَوْبِهِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا، وَإِنْ هَلَكَ ضَمِنَ الْأَجِيرُ؛ لِأَنَّهُ أَمْسَكَهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ بَعْدَ طَلَبِهِ، فَضَمِنَهُ؛ كَمَا لَوْ عَلِمَ. (وَإِنْ عَلِمَ) قَابِضٌ أَنْ الثَّوْبَ وَنَحْوَهُ لَيْسَ بِثَوْبِهِ، فَقَطَعَهُ، أَوْ لَبِسَهُ؛ (فَلَا) رُجُوعَ لَهُ عَلَى دَافِعٍ بِمَا غَرِمَهُ لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَ(لَا): يَضْمَنُ أَجِيرٌ (مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ)؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مَقْبُوضَةٌ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ لَمْ يُتْلِفْهَا بِفِعْلِهِ؛ أَشْبَهَ الْمُسْتَأْجِرَ، وَلِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا لِنَفْعٍ يَعُودُ عَلَيْهِمَا؛ أَشْبَهَ الْمُضَارِبَ (إنْ لَمْ يُفَرِّطْ)، فَإِنْ فَرَّطَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ؛ أَشْبَهَ الْمُودِعَ، (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يَضْمَنُ (مَا ضَاعَ بِحِرْزِهِ)- أَيْ مِنْ حِرْزِهِ- بِنَحْوِ سَرِقَةٍ، (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ) أَيْ: لِلْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ- (فِيمَا عَمَلَ فِيهِ)، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، (وَلَوْ) كَانَ عَمَلُهُ فِيهِ (بِبَيْتِ رَبِّهِ)، خِلَافًا لِلْحَاوِي إذْ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ فِي بَيْتِ رَبِّهِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِتَسْلِيمِ الْمَعْمُولِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَهُ؛ كَمَكِيلٍ بِيعَ، وَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّ الْأَجِيرَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ بِبَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، (وَتَلِفَ) الْمَعْمُولُ (قَبْلَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْعَمَلِ، وَأَمَّا إذَا تَلِفَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْعَمَلِ، وَهُوَ بَيْتُ الْمُسْتَأْجِرِ؛ فَقَدْ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ بِمُجَرَّدِ الْفَرَاغِ؛ لِأَنَّهُ أَتَمَّ مَا عَلَيْهِ، (خِلَافًا لَهُ)- أَيْ: لِلْإِقْنَاعِ- فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيمَا عَمَلَهُ، سَوَاءٌ عَمَلَهُ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ بَيْتِهِ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ.: قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَكُلُّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ فِي عَيْنٍ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُوقِعَهُ وَهِيَ فِي يَدِ الْأَجِيرِ؛ كَالصَّبَّاغِ يَصْبُغُ فِي حَانُوتِهِ، وَالْخَيَّاطِ فِي دُكَّانِهِ؛ فَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْعَمَلِ حَتَّى يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ حَتَّى يُسَلِّمَهُ مَفْرُوغًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي يَدِهِ؛ فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ، مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَى الْعَاقِدِ كَالْمَبِيعِ مِنْ الطَّعَامِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يُوقِعُ الْعَمَلَ فِي بَيْتِ الْمُسْتَأْجِرِ مِثْلَ أَنْ يُحْضِرَهُ إلَى دَارِهِ لِيَخِيطَ فِيهَا، أَوْ يَصْبُغَ فِيهَا؛ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْعَمَلِ، وَيَسْتَحِقُّ أَجْرَهُ بِمُجَرَّدِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَيَصِيرُ مُسَلِّمًا لِلْعَمَلِ حَالًّا فَحَالًّا، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا يَبْنِي لَهُ حَائِطًا فِي دَارِهِ، أَوْ يَحْفِرَ بِهَا بِئْرًا بَرِيءَ مِنْ الْعَمَلِ، وَاسْتَحَقَّ أَجْرَهُ بِمُجَرَّدِ عَمَلِهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْبِئْرُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ الْحَائِطِ؛ لَمْ يَبْرَأْ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ، وَلَوْ انْهَارَتْ عَقِيبَ الْحَفْرِ، أَوْ الْحَائِطُ بَعْدَ بِنَائِهِ وَقَبْلَ تَسْلِيمِهِ؛ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْعَمَلِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا اسْتَعْمَلَ أَلْفَ لَبِنَةٍ فِي كَذَا وَكَذَا فَعَمَلَ، ثُمَّ سَقَطَ؛ فَلَهُ الْكِرَاءُ. وَأَمَّا الْأَجِيرُ الْخَاصُّ فَيَسْتَحِقُّ أَجْرَهُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، سَوَاءٌ تَلِفَ مَا عَمَلَهُ أَوْ لَمْ يَتْلَفْ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فَقَالَ: إذَا اسْتَأْجَرَ يَوْمًا، فَعَمَلَ وَسَقَطَ عِنْدَ اللَّيْلِ مَا عَمَلَهُ، فَلَهُ الْكِرَاءُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ، وَعَمَلُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ. بِخِلَافِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ حَائِطًا طُولُهُ عَشْرَةُ أَذْرُعَ، فَبَنَى بَعْضَهُ، فَسَقَطَ؛ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَتَّى يُتِمَّهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مَشْرُوطٌ بِإِتْمَامِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ.
قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قِيلَ لَهُ: ارْفَعْ حَائِطًا كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَهُ، فَإِنْ سَقَطَ؛ فَعَلَيْهِ التَّمَامُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا عُمْقُهَا عَشْرَةُ أَذْرُعَ، فَحَفَرَ مِنْهَا خَمْسَةً، وَانْهَارَ فِيهَا تُرَابٌ مِنْ جَوَانِبِهَا؛ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَتَّى يُتَمِّمَ حَفْرَهَا. انْتَهَى.
(وَلَا يَضْمَنُ) أَجِيرٌ (مُشْتَرَكٌ تَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ مُطْلَقًا)؛ أَيْ: سَوَاءٌ عَمَلَهُ بِبَيْتِهِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ مَحْضٌ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ أَجِيرٌ أَوْ مُتَبَرِّعٌ؛ فَقَوْلُ أَجِيرٍ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ. (وَلِأَجِيرٍ حَبْسُ مَعْمُولٍ)؛ كَثَوْبٍ صَبَغَهُ أَوْ قَصَّرَهُ أَوْ خَاطَهُ (عَلَى أُجْرَتِهِ؛ إنْ حَكَمَ بِفَلَسِ رَبِّهِ)، وَكَوْنُ الْأَجِيرِ يَمْلِكُ حَبْسَ مَا صَبَغَهُ أَوْ قَصَّرَهُ أَوْ خَاطَهُ؛ لِأَنَّ زِيَادَتَهُ لِلْمُفْلِسِ؛ فَأُجْرَتُهُ عَلَيْهِ، وَالْعَمَلُ الَّذِي هُوَ عِوَضُهَا مَوْجُودٌ فِي عَيْنِ الثَّوْبِ، فَمَلَكَ حَبْسَهُ مَعَ ظُهُورِ عُسْرَةِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ كَمَنْ أَجَّرَ دَابَّتَهُ أَوْ نَحْوَهَا لِإِنْسَانٍ بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ، ثُمَّ ظَهَرَ عُسْرُ الْمُسْتَأْجِرِ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا لَهُ؛ فَإِنَّ لِلْمُؤَجِّرِ حَبْسَهَا عَنْهُ، وَفَسْخَ الْأُجْرَةِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ أُجْرَتُهُ أَكْثَرَ مِمَّا زَادَتْ بِهِ قِيمَتُهُ؛ أَخَذَ الزِّيَادَةَ، وَحَاصَصَ الْغُرَمَاءَ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَا) يَجُوزُ لِلْأَجِيرِ حَبْسُ الْمَعْمُولِ (بِمُجَرَّدِ إعْسَارِ) الْمَالِكِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِإِعْسَارِهِ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ)- أَيْ: الْأَجِيرُ (يُحَاصِصُ الْغُرَمَاءَ) بِحُدُوثِ زِيَادَةٍ فِي ثَمَنِ الْمَعْمُولِ بِغَيْرِ عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاؤُهُ (وَلَا يَخْتَصُّ) الْأَجِيرُ (بِهِ)؛ أَيْ: الزَّائِدُ عَنْ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ، (إلَّا إنْ زَادَ) ثَمَنُهُ (بِعَمَلِهِ) فَيَخْتَصُّ بِالزَّائِدِ حَيْثُ كَانَ أَنْقَصَ مِنْ أُجْرَتِهِ؛ (كَمُضَارِبٍ) يَأْخُذُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ رِبْحٍ ظَهَرَ قَبْلَ أَنْ يُفْلِسَ رَبُّ الْمَالِ، وَلَا يُحَاصِصُ الْغُرَمَاءُ فِي نَصِيبِهِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِلَّا) يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِفَلَسِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ (فَلَا) يَمْلِكُ الْأَجِيرُ حَبْسَ الْمَعْمُولِ بَعْدَ عَمَلِهِ، فَإِنْ فَعَلَ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْهُ عِنْدَهُ، وَلَا أَذِنَهُ فِي إمْسَاكِهِ، وَلَا يَتَضَرَّرُ بِدَفْعِهِ قَبْلَ أَخْذِ أُجْرَتِهِ، وَمَتَى فَعَلَ، فَتَلِفَ؛ (ضَمِنَ) هـ (كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ) الْأَجِيرُ بَعْدَ عَمَلِهِ أَوْ بَعْدَ حَمْلِهِ إذَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ، (وَخُيِّرَ مَالِكٌ بَيْنَ تَضْمِينِهِ)- أَيْ: الْأَجِيرُ- (إيَّاهُ) أَيْ الْمَعْمُولُ أَوْ الْمَحْمُولُ (غَيْرُ مَعْمُولٍ)- أَيْ: مِخْيَطٌ وَنَحْوُهُ- (أَوْ) غَيْرُ (مَحْمُولٍ) بِأَنْ يُطَالِبَهُ بِقِيمَتِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَلَّمَهُ إلَيْهِ فِيهِ لِيَحْمِلَهُ مِنْهُ، (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ)؛ أَيْ: الْأَجِيرُ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ عَمَلَهُ أَوْ تَضَمَّنَهُ الْمَعْمُولُ أَوْ الْمَحْمُولُ التَّالِفُ تَعَدِّيًا بِقِيمَتِهِ (مَعْمُولًا)- أَيْ: مَصْبُوغًا وَنَحْوُهُ- (وَمَحْمُولًا) إلَى مَكَان تَلِفَ فِيهِ، (وَلَهُ الْأَجْرُ)- أَيْ: أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَحَمْلِهِ-، لِأَنَّ تَضْمِينَهُ إيَّاهُ كَذَلِكَ فِي مَعْنَى تَسْلِيمِ الْعَمَلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَإِنَّمَا خُيِّرَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَصْحِبٌ عَلَيْهِ إلَى حِينِ الْمُطَالَبَةِ بِقِيمَتِهِ قَبْلَ عَمَلِهِ وَحِينَ تَلَفِهِ. (وَإِنْ اسْتَأْجَرَ) أَجِيرٌ (مُشْتَرَكٌ) أَجِيرًا (خَاصًّا)؛ كَخِيَاطَةٍ أَوْ صَبَّاغٍ يَسْتَأْجِرُ أَجِيرًا فَأَكْثَرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا؛ (فَلِكُلٍّ) مِنْ الْخَاصِّ وَالْمُشْتَرَكِ (حُكْمُ نَفْسِهِ)، فَإِذَا تَقَبَّلَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ، وَدَفَعَهُ إلَى أَجِيرِهِ فَخَرَقَهُ، أَوْ أَفْسَدَهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ خَاصٌّ، وَيَضْمَنُهُ صَاحِبُ الدُّكَّانِ لِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ. (وَإِنْ تَقَبَّلَ) الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ، (وَلَمْ يَعْمَلْ، بَلْ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ؛ فَلَهُ)- أَيْ: الْمُشْتَرَكُ- (الْأُجْرَةُ) الْمُسَمَّاةُ فِي الْعَقْدِ؛ (لِضَمَانِهِ)- أَيْ: الْتِزَامِهِ الْعَمَلَ- (لَا لِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ)، وَتَقَدَّمَ فِي الشَّرِكَةِ أَنَّ التَّقَبُّلَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ، وَيَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ، وَسَوَاءٌ عَمَلَ فِيهِ شَيْئًا، أَوْ لَا.
(وَ) إنْ قَالَ الْأَجِيرُ: (أَذِنْت لِي فِي تَفْصِيلِهِ)- أَيْ: الثَّوْبُ- (قَبَاءً، وَقَالَ) الْمُسْتَأْجَرُ: (بَلْ) أَذِنْت لَك بِتَفْصِيلِهِ (قَمِيصًا)؛ فَالْقَوْلُ (قَوْلُ خَيَّاطٍ)، نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِئَلَّا يَغْرَمَ نَقْصَهُ مَجَّانًا بِمُجَرَّدِ قَوْلِ رَبِّهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِذْنِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ.
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَجِيرِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ، (وَلَوْ كَانَ مِثْلُ رَبِّهِ)- أَيْ: الثَّوْبُ- (لَا يَلْبِسُ الْقَبَاءَ)، خِلَافًا لِابْنِ أَبِي مُوسَى، وَإِنَّمَا قَبْلَ قَوْلِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ، وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَأْذُونِ؛ كَالْمَضَارِبِ إذَا قَالَ: أَذِنْت لِي فِي الْبَيْعِ نَسَاءً، وَلِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى مِلْكِ الْخَيَّاطِ الْقَطْعَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فَعَلَ مَا مَلَكَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي لُزُومِ الْغُرْمِ لَهُ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَيَحْلِفُ الْخَيَّاطُ: لَقَدْ أَذِنْت لِي فِي قَطْعِهِ كَذَا، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْغُرْمُ، (وَ) يَكُونُ (لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ)؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُودُ فِعْلِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ بِعِوَضِهِ، (وَلِعَدَمِ ثُبُوتِ مُسَمًّى بِدَعْوَاهُ)؛ فَلَا يَجِبُ بِيَمِينِهِ، (وَكَذَا)؛ أَيْ: وَمِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ لَوْ قَالَ صَبَّاغٌ: (أَمَرْتنِي بِصَبْغِهِ كَذَا)- أَيْ: أَسْوَدَ- (فَقَالَ رَبُّهُ)- أَيْ: الثَّوْبِ: بَلْ أَمَرْتُك بِصَبْغِهِ- (كَذَا)- أَيْ: أَحْمَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبَّاغِ، وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ.
(وَ) لَوْ قَالَ رَبُّ ثَوْبٍ لِخَيَّاطٍ: (إنْ كَانَ) الثَّوْبُ (يَكْفِينِي) قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً، فَاقْطَعْهُ، وَ(فَصِّلْهُ، فَقَالَ) الْخَيَّاطُ: (يَكْفِيك، فَفَصَّلَهُ، فَلَمْ يَكْفِهِ؛ ضَمِنَهُ)؛ أَيْ ضَمِنَ أَرْشَ تَقْطِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَهُ فِي قَطْعِهِ بِشَرْطِ كِفَايَتِهِ، فَقَطَعَهُ بِدُونِ شَرْطِهِ؛ (كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: اقْطَعْهُ قَبَاءً، فَقَطَعَهُ قَمِيصًا)؛ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ أَرْشَ نَقْصِهِ لِمُخَالَفَتِهِ، (لَا إنْ قَالَ: اُنْظُرْ هَلْ يَكْفِينِي) قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً؟ (قَالَ: يَكْفِيك، فَقَالَ لَهُ: اقْطَعْهُ)، فَقَطَعَهُ، فَلَمْ يَكْفِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطٍ، بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا.
(وَ) لَوْ قَالَ: (اقْطَعْهُ)- أَيْ: الثَّوْبَ- (قَمِيصًا لِرَجُلٍ، فَقَطَعَهُ ثَوْبَ امْرَأَةٍ؛ غَرِمَ) الْخَيَّاطُ (مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا)، لِأَنَّ هَذَا قَطْعٌ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ، وَلِأَنَّ الْمَأْذُونَ فِيهِ قَمِيصٌ مَوْصُوفٌ بِصِفَةٍ، فَإِذَا قَطَعَ قَمِيصًا غَيْرَهُ، لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا الْمَأْذُونَ فِيهِ، فَكَانَ مُتَعَدِّيًا بِابْتِدَاءِ الْقَطْعِ، وَلِذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَطْعِ أَجْرًا.
(وَ) إنْ دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا، وَقَالَ: (انْسِجْهُ لِي عَشْرَةَ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعٍ، فَنَسَجَهُ زَائِدًا عَلَى مَا قَدَّرَ لَهُ) فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ، (فَلَا أُجْرَةَ لَهُ)- أَيْ: الْحَائِكِ- (لِزَائِدٍ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، (وَيَضْمَنُ) حَائِكٌ (نَقْصَ غَزْلِ نَسْجٍ) فِي الزِّيَادَةِ؛ لِتَعَدِّيهِ.
تَتِمَّةٌ:
فَأَمَّا مَا عَدَا الزَّائِدَ، فَيُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ جَاءَ بِهِ زَائِدًا فِي الطُّولِ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَنْقُصْ الْأَصْلُ بِالزِّيَادَةِ؛ فَلَهُ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الْأَجْرِ؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ لَهُ مِائَةَ لَبِنَةٍ، فَضَرَبَ لَهُ مِائَتَيْنِ، وَإِنْ جَاءَ بِهِ زَائِدًا فِي الْعَرْضِ وَحْدَهُ أَوْ فِيهِمَا، فَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِأَمْرِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى بِنَاءِ حَائِطٍ عَرْضُ ذِرَاعٍ، فَبَنَاهُ عَرْضَ ذِرَاعَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الطُّولِ وَالْعَرْضِ أَنَّهُ يُمْكِنُ قَطْعُ الزَّائِدِ فِي الطُّولِ، وَيَبْقَى الثَّوْبُ عَلَى مَا أَرَادَ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَرْضِ، وَأَمَّا إنْ جَاءَ بِهِ نَاقِصًا فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا، فَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي لَا أَجْرَ لَهُ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِ الْغَزْلِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَ بِهِ؛ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى بِنَاءِ حَائِطٍ عَرْضَ ذِرَاعٍ، فَبَنَاهُ عَرْضُ نِصْفِ ذِرَاعٍ، وَأَمَّا إنْ أَثَّرَتْ الزِّيَادَةُ أَوْ النَّقْصُ فِي الْأَصْلِ مِثْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِنَسْجِ عَشْرَةِ أَذْرُعٍ لِيَكُونَ الثَّوْبُ صَفِيقًا، فَنَسَجَهُ خَمْسَةَ عَشْرَ، فَصَارَ صَفِيقًا؛ أَوْ أَمَرَهُ بِنَسْجِهِ خَمْسَةَ عَشْرَ لِيَكُونَ خَفِيفًا، فَنَسَجَهُ عَشْرَةً فَصَارَ صَفِيقًا فَلَا- أَجْرَ لَهُ بِحَالٍ، وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِ الْغَزْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِمَّا أُمِرَ بِهِ.